أقسام الإسلاميين في الربيع العـربي !

 

أقسام الإسلاميين في الربيع العـربي !
 
حامد بن عبدالله العلي
 
 
بعد الربيع العربي انقسمت الحالة الإسلامية في الخليج إلى أربعـة أقسام : الإصلاحيّين ، والمرتبِكين ، والمستأجَرين ، والقطيعيّين .
 
أمّا الإصلاحيُّون فهم الذين اتضحت لهم الرؤيا ، واستبان لهم المنهج ، وعرفوا _ لاسيما بعد إنطلاق الربيع العربي _ أنَّ النظام العربي برمّته ، ليس سوى حالة مأساويّة جداً من التعفّن السياسي ، والثقافي ، والإجتماعي ، والإقتصادي ، مملوءه بالتخلّف ، والفساد ، والعمالة ، والتآمر على الأمّة ، وعبادة السلطة ، ولاسبيل للإنقاذ إلاّ بإصلاح شامل يُبنـى على :
 
1ـ ثقافة الربيع العربي التي تقوم على استرجاع حقّ السلطة للشعوب كاملاً غير منقوص ، بوسائل سلميـّة تفوّت على الطغاة فرصة إجهاض الإصلاح .
 
2ـ وروح الربيع العربي التي تتوقـّد فيها نار ثورة لاتعرف المهادنة حتى تحقق انتصارها النهائـي .
 
3ـ وأهداف الربيع العربي التي تتمحور على هدف واحد هو تخليص الأمّة من الاستبداد الداخلي ، والهيمنة الخارجية .  
 
وأنَّ غير هذا السبيل سرابٌ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءَ ، وخداعٌ للنفس ، بل أشبه بهذيان سببه بقايا العفن المترسِّب في العقول من آثار الأنظمة نفسها .$$$
 
 وأما المرتبِكون فهم متديّنون مخلصون ، قـد دهمهم الربيع العربي ، ولازالت أفكارهم مشوَّشة بمفاهيم مزيفة من عهود الخنوع ، ونفوسهم حاملة لبعض (فيروساته ) ، ولكنّهم لتوقهم إلى عزة الأمّة ، ورغبتهم في رؤيتها منتصرة ، أحبُّوا التغيّير المذهل الذي جرى في الشعوب ، ورحّبوا بنتائجه .
 
غير أنهم كلَّما دفعهم هذا التوق ، وتلك الرغبة إلى الاقتحام لإكمال مسيرة التغيير المباركة في الأمّـة ، كعَّ به ذلك التشويش ، وهاتيك (الفيروسات) ، إلى الوراء ، فارتبكوا ، وتحيَّـروُا ، وتشتّت جهـدهم .
 
ولهذا تجدهم أحيانا يجيـزون المظاهرات ، ثم يتناقضـون فيحرمونها في بلادهم ! ويحاولون عبثاً التفريق بين الأنظمة التي أسقطها طغيانها ، وسلطة يعيشون تحتها لاتختلف عن غيرها إلاّ _ ربما _ ببراعة الخداع ، وإجادة التمثيل على اللَّحى !
 
وأمّا المستأجرون فشأنهم شأن بوطي بشَّار ، والمفتي علي جمعة ، ومفتي القذافي ، وشين الفاجرين وسائر هذه الجراثيـم !
 
 إنما هو أجير (كهاتف عملة ) ! عند الطاغية ، على قدر ما يوضع في فمه من درهـم ودينـار ، يفتـي ولو اقتحـم بفتواه جحيم النار .
 
سعيدُ الدار شرُّ من أبيه ** وكلبُ الدار شرُّ من سعيدِ
 
مثل ذاك الجرىء الذي لايستحـي من ربّه ، الذي أفتى للسلطة بإباحة الإبادة الجماعية للمتظاهرين !
 
مع أنه حتَّى البغاة المسلحين الخارجين على الإمام الصالح العدل بقوة السلاح ، الذين كما وصفهم الفقهاء ( يرون خلعه لتأويل سائغ ) ، لايحلّ من دمهم إلاّ بقدر ما يندفع ضررهم ، حتى ذكر من ذكـر من العلماء أنّ من حضر معهم ممن لايقاتل لايجوز قتله.
 
وكما قال الفقهاء : ( والأخبار الواردة في تحريم قتل المسلم ، والإجماع على تحريمه ، وإنما خُصّ من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي ، والصائل ، ففيما عداه يبقى على العموم ، والإجماع فيه ; ولهذا حُرم قتل مدبرهم ، وأسيرهم ، والإجهاز على جريحهم ، مع أنهم إنما تركوا القتال عجزا عنه ، ومتى ما قدروا عليه ، عادوا إليه ، فمن لا يقاتل تورعا عنه مع قدرته عليه ،  ولا يخاف منه القتال بعد ذلك أولى ، ولأنّه مسلم ، لم يحتج إلى دفعه ، ولا صدر منه أحد الثلاثة ، فلم يحلّ دمه ; لقوله عليه السلام : لايحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث .. الحديث ) المغني لابن قدامه .
 
هذا في البغي بالسلاح على السلطة العادلة ، فكيف بالتظاهر السلمي الذي أصبح من وسائل العصر المتعارف على إباحتها ، كالاعتصامات ، والإضرابات ، وغيرها ، حقـاً للشعوب ، لتنال به حقوقها ، وتدفع به الظلم عن نفسها .
 
ولاريـب هذا القسم قد عظم به البلاء ، واستحكم الداء ، لأنـّه بعد تعاظم قوة الإسلام ، وانتشار رقعة التأثير للخطاب الديني ، احتاج الطغاة إلى خطاب ديني مزيف ، فوجدوا هذه الحثالة ، أو حثالة الحثالة ، مستعدة للمتاجرة بالدين ، وإفساد المسلمين.
 
غير أنهم وشيكا سيصيرون إلى الدرك الأسفل ، وما أمر مفتي حسني علي جمعة عنـّا ببعيـد ، فقـد ذهب للقدس زاعماً أنه يصلي بالمسجد الأقصى ! ليمنح الصهاينة ما يرغبون به من تطبيع ، ويهديهم ما يحبُّونه من تلميع ،
 
 فعاد بخزيـِهِ ، وصوَّت مجلس الشعب على مطالبته بالاستقالة ، وطردوه من اتحاد الكتاب المصرييـن .
 
ذلك أنّ من أعظم بركات الربيع العربـي أنه كما يُسقط الزيف السياسي ، يُسقط معه الزيف الديني التابع له .
 
وأما القطيعيُّون ، فما كنت أرغب أن أطلق عليهم هذا الوصف ، غير أنها الحقيقة المرة ، إذ جمهور كبير _ وليس الأكبـر _ من أتباع الحركة الإسلامية _ بطبيعة الحال _ لايختلفون عن واقع شعوبهـم التي أُريـد لها أن تكون قطعانا !
 
والحالة القطيعية هي مرض له ثلاثة أعراض رئيسـة :
 
1ـ الخوف الدائم من عصا مالك القطيع !
 
2ـ الرضا بوجبة الشعير ، والإنشغال بها عن أيّ شيء آخر !
 
3ـ انعدام المشاركة بأي نشاط غير : اسمع وأطع ، وولي أمرك أدرى بمصلحتك !
 
فليت شعري كيف يُتوقـّع من شعوب ، لايُدخـل في آذانها إلاّ هذا الخطاب ، ومحرومة من أيّ مشاركة في السلطة ، بل في أيّ وسيلة إحتجاج جماعية سلمية على قرارات السلطة !
 
وهي في حالة خوف دائم من أجهزة الأمن ،
 
وانتظار دائـم لراتب آخر الشهر ( أو الشرهه ) ! من وليّ النعمة ، مالك القطيـع !
 
إلاّ أن تصاب بداء القطيعيّة ، فيدخـل في كلّ عرق ، ومفصـل منهـا ؟!!
 
ولاريب أنّ هذا الداء يسكـن في اللاّوعي أيضـا ، ولهذا فربمّـا _ مثل كثير من الأمراض _ لايشعر الإنسان بأنـّه يحمله ، إلاّ عندما يرى حالة لاتحملها ،
 
فيكتشف الفرق حينئذ ! وقد تصيبه حالة من الصدمـة : كيف كان يعيش بهذا الداء طيلة ما مضى من عمـره !
 
ولهذا  فلازال كثير من أتباع الحركة الإسلامية ، يسيرون سير القطيـع وراء الشيخ أجير السلطة ، أو مع من يتحالف مع السلطة من قسم المرتبكين ،
 
 فإن حرَّم عليهم المظاهرات حرّموها ، وإن نهـى عمّا يغضب السلطة انتهـوا ، وإن امتدح السلطة انقادوا ، وعلى هذا النهج قد اعتـادوا !
 
تسير خلفَ الشيخ سيْر الإمّعهْ ** إنْ مال مالوا ، وإنْ يسقط معهْ
 
أو كما يقول إخواننا المصريون ( مثل المعزة الدايخـهْ )! 
 
غير أنّ هذا القسم قـد بدأ يتقلّص _ بحمد الله _  مع انتشار (فقه الثورة) ، إذ أصبح التعليم المجاني ، لهذا الفقه ، يُؤخذ عن طريق الفضائيات ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، بصورة مكثفـة ، ويهجـم على العقول هجوما ، يصبِّحها بصبـوحه ، ويمسي عليها بغبـوقه .
 
ومع مرور الزمن وبسرعة مذهلة ، تلتحق أعداد كبيرة من قسم المرتبكين ، بالإصلاحيين ، وتنتقل أعداد كبيرة من القسم الأخير بهم أيضا ، أما المستأجرون ، فلا أعلم مثالا ، كأنّ الله طمس على قلوبهم ، وطبع عليها ، ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهـون ) !
 
 
وبعد ،،، فإذا حقّ لنـا أن نستعير من قوانين الفيزياء الفلكية ، فإنّ أهل هذا العلم العزيز يقولون : إنّ الغالبية العظمى من الطاقة في الكون منتشـرة في الفضاء الفارغ ، ويتعجبَّون : لا أدنى فكرة لدينا لماذا هي هناك ؟!
 
وحقا كذلك ، إنّ الله تعالى _ كما في النصوص _ ينزل النصر ، والفرج ، واليسر ، مع الصبـر ، والشدة ، والعسر ، فيكون ذلك كله فيما بين البشـر لايرونـه ، ثم يتحقق فيهم إذا صبروا ، وتوكلوا ، وثبتـوا .
 
وكذلك  حقـَّا إنّ الغالبية العظمى من طاقة شعوبنا لم تزل منتشرة في الفضاء الفارغ فيما بينها !
 
 لم تعـدم ، ولم تضعف حتـّى ، لكنها لم تدخل في نفوس الشعوب ، ولم تـلج إلى أرواحهـا .
 
أليسـت ثورات الربيع العربي أوضح دليل على هذا !
 
فإذا أردنا أن نسلكها إلى قلوبهم ، ونشعل بها أرواحهم ، فلنحرّك هذه الطاقة ، بكلمة الحقّ ، وبأيّ منشط عبر وسائل التواصل ، نشجع به على الإصلاح ، ونستحثّ به الأمّة إلى النهوض .
 
حتى إذا امتلأت الشعوب بطاقة التغيير ، وأُشربت قلوبها حبَّهُ ، انفجـر كلُّ شعب محدثـا ربيعه ، وجعل كلّ طاغيـة صريعـه .
 
فهيا يا رجال الإصلاح ، وياشبابه ، ويا نساء التغيير ، وشاباتـه ، واصلوا الجهـود ، واستحثوا الخطـى ، لإخراج أمتنا من الذلّ الذي سلطه هؤلاء الطغاة عليها ، ومن التخلف الذي أوصلوه إليها .
 
حتى ينبلـج فجـر جديد ، يعز الله فيه أمة الإسلام ، ويعيد إليها أمجادها ، ويحيي فيها ما اندرس من منارات حضارتها .
 
والله الموفق وهو حسبنا عليه توكّلنا وعليه فليتوكـّل المتوكّـلون 
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 24/04/2012