هل نحن بين يدي نهاية التاريخ حقا؟!

 

حامد عبد الله العلي
الدكتور (ولسون) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تلقي من (لويد جورج) ، ومن (ويزمن) نص ما اتفق عليه من عبارات وعد بلفور ، فوافق على ذلك ، وباركه ، قبل أن يصــدر الوعد رسميا في 2/11/1917م ، وأما فرنسا وإيطاليا فقد وافقتا عليه فور إصداره ، وبعد أكثر بقليل من عقد من الزمان من وعد بلفور ، وفي عام 1929م ، وقعت انتفاضة عنيفة بدأت في القدس أولا ثم انتشرت في الخليل وصفد وبيسان .. الخ ، وسببها عدوان يهودي علــى مربط البراق ـ المكان الذي ربط فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم البراق عندما وطأت قدمه الشريفـــة بيت المقدس ـ فسميت ( ثورة البراق ) ، وقتئذ انعقد المؤتمر الصيهوني في سويسرا وكانت مقرراته هائجا لليهود في فلسطين ، فظنوا أن العنف سينفعهم ، فجربوا ركوبه مع مسلمي فلسطين ، فكان من جراء ذلك مقتل 133قتيلا و339جريحا من اليهود ، وكانت خسائر المسلمين 116قتيلا و293 جريحا ، وكانت خسائر المسلمين برصاص الإنجليز الذين أظهروا تحيزهم السافر لليهود .


ويعيد التاريخ نفسه ، وبعد نحو قرن من الزمان من وعد بلفور ، يعتدي شارون على ساحة المسجد الأقصى ، فتنطلق الانتفاضة التي نشهد اشتعالها اليوم في فلسطين ويسقط أكثر من 500 قتيلا فلسطينيا حتى هذه الساعة ، من بينهم كثير من الأطفال الأبرياء ، ويغتال اليهود علانية قادة الانتفاضة ، وتدمر منازل الفلسطينين بالصواريخ ، ويحاصر الشعب الفلسطيني اقتصاديا لتجويعه وتركيعه للغطرسة اليهودية ، فتزداد الانتفاضة اشتعالا ، وتعلو نارها .


وتعلن أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية في العالم في ( ديربان ) استنكارها للعنصرية الصهيونية البغيضة التي قام عليها الكيان الصهيوني ، وما تقترفه من جرائم تقشر منها الجلود ، حتى قال ( أمادا ديان ) السكرتير العام للجنة الحقوقيين الدولية عندما زار فلسطين مؤخرا ( إن ما أراه الآن هو نفسه الذي كان يسود في جنوب أفريقيا إبان العهد العنصري هناك ) ، وقال وفد برلماني وشعبي من جنوب أفريقيا ( إننا عاينا الأمرين من النظام العنصري في جنوب أفريقيا ولكننا لم نر في جنوب أفريقيا ، إبان ذلك العهد العنصري ما نراه الآن من ممارسات إسرائيلية عنصرية ضد الشعب الفلسطيني ) ، وتعلن الولايات المتحدة ووفد الكيان الصهيوني عزمهما الانسحاب من المؤتمر مالم يتراجع عن اعتبار الصهيونية عنصرية ، ويغير موقفه من جرائم اليهود في فلسطين ، فيغض الطرف عنها .


ويقول ديك شيني نائب الرئيس الأمريكي بعد مجزرة نابلس : ( إن ما تفعله إسرائيل له ما يبرره)، وتركز الدول الأوربية في ورقتها المقدمة للمؤتمر من ( ستارستبورج ) على (الهولوكست ) ، ومعاداة السامية ، وتطالب بعقوبات على من يعاديها ، وتتجاهل جرائم الكيان الصهيوني الذي يضطهد شعبا كاملا ويصادر حقوقه ويهريق دماء أبناءه وأطفاله كل ساعة ، ثم تهدد بالانسحاب من مؤتمر (ديربان ) إن أصر على إدانة الكيان الصيهوني .


ويتقابل الصفان من جديد مرة أخرى ، عودا إلى نقطة البدء ، لم يتغير شيء ، بعد كل هذه العقود التي امتلأت مما أطلق عليه مؤتمرات السلام واتفاقياته ، وقررات الأمم المتحدة ، واستعلنت الحقيقة جلية واضحة ، فقد كان الدعوة إلى السلام كلها سراب وخداع ، فالقضية هي القضية ، وطرفاها هما طرفاها ، اليهود والغرب مقابل الأمة الإسلامية كرامتها وحقوقها ، وتدور رحى الحرب حول المسجد الأقصى المبارك ، وتقترب من المواجهة الأخيرة ، تزحف نحو الالتحام ، الكيان الصيهوني بدعم أمريكي أوربي وتخاذل عربي وصمت عالمي ، يصب حممه على شعب فلسطين أعزل ، يقاوم بشراسة وعزم عجيبين .


وثمة احتمالان لمستقبل الأحداث :


الأول : استمرار صهيوني في سياسة محاولة إخماد الانتفاضة وقد ذكرت الأسبوعية اللندنية في عددها الأخير (الفورين ريبورت) : إن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي شاؤول موفاز عرض على المجلس الوزراي المصغر خطة معدلة لاجتياح السلطة الفلسطينية تستند إلى مشاركة 30ألف جندي إسرائيلي ، وتهدف إلى تدمير السلطة الفلسطينية وتجريد كل ألـ40 ألف من أفراد القوات الفلسطينيــة من السلاح ) وأضافت الأسبوعية ( إن العملية التي سوف تستمر شهرا ستبدأ كردة فعل على عملية استشهادية كبيرة ) وقالت ( إن خسائر العملية ستكون في الجانب الإسرائيلي ستصل إلى عدة مئات وفي الجانب الفلسطيني سيصــل عدد القتلى إلى آلاف ) و( أ ن الجنرالات يعتقدون أن ياسر عرفات سيغادر الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومئات من قادة منظمة التحرير الفلسطينية الذين وصلوا مع عرفات من تونس سيقتلون أو يغادرون المنطقة ) ، وبعدها نعيش أجواء ما بعد نكسة 67 م من جديــد ، بل أسوء منها ، وتدخل الأنظمة العربية في دوامة مشكلاتها الداخلية في صراع مع شعوبها الساخطة عليها .


الثاني : أو تحظى خطة شارون بفشل ذريع ، بسبب حالة الرعب والانقسام السياسي داخل الكيان الصهيوني ، وعجزها عن السيطرة على الانتفاضة أو اجتياح مناطق الضفة وغزة التي تعد جحيما حقيقيا بالنسبة للجيش الصهيوني الذي سيكون محاطا بثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني يدفعه اليأس والإحباط لفعل أي شيء ، وبعد الفشل نعود لنعيش أجواء الاختناق السياسي قبل أوسلو .


فهل هي دوامة سنبقى فيها إلى أجل غير مسمى ، أم نحن بانتظار أحداث تاريخية جديدة ستغير مجرى التاريخ ، تدفع بنا إلى إرهاصات بين يدي نهاية التاريخ ، الله أعلم

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 05/12/2006