دحــر الصليــب ونصـــر الهلال في الــرد على كولـــن باول

 

دحــر الصليــب ونصـــر الهلال في الــرد على كولـــن باول
حامد بن عبدالله العلي

نشرت صحيفة الوطن الكويتية يوم الأربعاء تاريخ 15 ذو القعدة 1424هـ الموافق 7/1/ 2004م ، مقالا كتبه وزير الخارجية الأمريكي كولن بول في دورية " فورن أفيرز " ، ووضعت ملخصا له في الصفحة الأولي ، وهذا رد مفصل ـ أوسع مما طلبنا نشره في الصحافة المحلية ـ لما ذكره كولن باول من مغالطات كثيرة ، بل كان مقاله كله ، مبنيا على المغالطات الواضحة .

رابط مقاله كما نشر في صحيفة الوطن

وهذه هدية لأهل الفلوجة


دحــر الصليب ونصـــــر الهلال في الرد على كولن باول

حامد بن عبدالله العلي

لازالت ـ أيها الجنرال الأمريكي الذي وصل إلى ما وصل إليه بقدر الرؤوس التي قطعها وسحقتها قواته في حروب أمريكا " الإرهابية " ـ قصة الحسناء الأمريكية والجمجمة اليابانية التي أرسلها لها خطيبها الأمريكي من الجبهة، ونشرتها مجلة ريف ، لازالت ماثلة للعيان أيها الجنرال المشارك في فظائع حرب فيتنام كولن باول ، كسحابة القنبلة الذرية التي دمرت مئات الآلاف في اليابان .

ومنذ إبادة الهنود الحمر إلى حروب الإرهاب الأمريكية في كوريا والهندوراس واليابان وبنما وغواتيمالا وحرب فيتنام التي ألقت فيها أمريكا آلاف الأطنان من القنابل الكيماوية المسماة " AGENT ORANG "بين عام 1965 ، وعام 1975 .

ولازال ما قاله " ماكسويل تايلور " وهو يصف "الفييتكونغ" في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب " ، وكانت قناة history التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 تموز 1996 شكلاً حياً من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكان في فيتنام وهم يقطعون رؤوس "الفييتكونغ"ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها إسم " العنقاء " "operation phoenix" ،

وقد أعلن البنتاغون أن عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل ، و33358 معتقل ، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام – والفلبين – والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968 ، 1971 ، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقلين من التعذيب .

لازال ذلك كله أيضا ماثلا للعيان أيهـــــــا الجنرال الخادم المطيــع للـ " المحافظون الجدد المتصهينون " .

ومرورا بحروب الإرهاب الأمريكية في كل العالم ، من تورطها في إيران منذ أن أسقطت ثورة مصدق ، إلى ما فعلته كوبا ، فبورتريكو وجزيرة غوام ، والفلبين ، لبنان ، ولعبتها المكشوفة في الحرب العراقية الإيرانية ، وتسليح العراق ، والإغضاء عن جرائمه مادام يحقق أطماع أمريكا ، وفضيحة إيران كونترا التي كان من أبطالها الكبار " إليوت إبرامز " ـ برز " إبرامز" بعد اعترافه بالكذب على الكونجرس في فضيحة "إيران كونترا" ، وما أدراك من هو هذا "الليكودي"الذي رسم في كتاب Present Dangers الذي ألفه عن “مشروع القرن الأمريكي الجديد” (Project for the New American Century) في عام ألفين، رسم أبرامز ملامح سياسية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط ، وبناها على أن استعداد أمريكا لاستعمال القوة هو مفتاح الطريق لبناء امبراطوريتها.

مرورا بهذا كله ، وانتهاء بما يحدث في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق كل يوم من انتهاكات لا توصف لحقوق الإنسان ، وقد امتلأت السجون بآلاف السجناء العراقيين ، و ذكرت صحيفة «صنداي تليغراف» البريطانية أن سي.آي.إيه تخطط لإنشاء شرطة سرية عراقية وقالت الصحيفة في تقرير لها إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ستمول إنشاء الشرطة السرية العراقية الجديدة ، وأنه سيتكلف ثلاثة مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات بتمويل أمريكي من نفس بند الميزانية الذي تمول منه أنشطة وكالة ، سي.آي.إيه، وأضافت الصحيفة نقلا عن مسئولين في واشنطن أن عدد العاملين في وكالة المخابرات العراقية الجديدة سيصل إلى عشرة آلاف .

كل ذلك .. وأضعافه مما لايمكن حصره ، يجعل العالم كله بأسره ، على يقين تام ، أن أمريـكــا ليست سوى دولة بوليسية عالمية ، طالما حمت الدول البوليسية المستبدة ورعتها ، واعتمدت عليها في تحقيق أهدافها وأطماعها الاقتصادية والتوسعية .

والآن جاءت تريدنا أن نصدقها وهي تبشرنا بقرن الإمبراطورية الأمريكية الحالم برومانسية السلام للعالمي ، والعالم نراه كل يوم يزداد خوفا وفقرا وفوضى ، بفضل سعي ساسة أمريكا وعمالقة المال فيها المتواصل للسيطرة وإشباع نهمتهم نحو النفوذ والسلطة وتراكم الثروة ، وإرضاء اللوبي الصهيوني الذي يوفر لهم كل ذلك ، ماداموا يباركون جرائمه.

وكيف ليت شعري ستحصل أمريكا على صك البراءة ، والعالم كله يرى أن حصيلة الانتفاضة الأخيرة فحسب ، لشعب يحتله كيان دخيل مزروع ، لاينتهك حقوق الفلسطينيين إلا بالمال والخبرة والدعم والرعاية الأمريكية ، حصيلة ضحاياه بلغت 3853شهيدا ، فيهم 522 طفلا ، و116 امرأة ، و37 ألف جريح وتجريف 62039 دونماً ، ويوجد 60 ألف ، و678أسيرا ، منهم مئات النساء اللاتي بعضهن يحملن أولاده في بطونهن .

وكل هذه الجرائم ليست سوى في هذه الانتفاضة فحسب ، فإذا أضفت إليها ما سقط من الضحايا ، وانتهك من حقوق الإنسان في هذا الكيان الذي تتبجح أمريكا أنها الكيان الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط!! منذ تأسيسه إلى اليوم فإنه يفوق بملايين المرات ، ما يسقط من الضحايا الأمريكيين مما تهوله وتضخمه وسائل الإعلام ، مع أنهم يسقطون بعيدا عن بلادهم ، في بلاد احتلوها وحولوها إلى مرتع لتحقيق أطماعهم ، وهيمنتهم على العالم .

وكيف لعمري ستحصل أمريكا على صك البراءة ، وهي تكدس هي والكيان الصهيوني من أسلحة الدمار الشامل ، مالا يسمح لأحد أن يسأل عنه فضلا أن يعرف كميته وخطره على العالم ، بينما تلاحق كل من يفكر بامتلاكها ، وتستعمل كل وسائل الكذب ، والإرهاب ، لكي تبقى هي والكيان الصهيوني مهيمنة على العالم .

وكيف سيصدقها أحد أنها راعية الحرية وحقوق الإنسان ، وهي تنفق على إنشاء الجيوش وتنشرها في العالم بما لم تفعله أي دولة مثلها في التاريخ ، أكثر من إنفاقها على أي شيء آخر ، فأي ثقافة هذه التي لا تنتشر إلا وراء حاملات الطائرات النووية ، والصواريخ الموجهة ، وأم القنابل ، وتلويث الكرة الأرضية باليورانيوم المنضب ، وسفك دماء البشر ، واحتلال أرضهم!!

نحن ببساطة نفهم ما يجري يا باول ، إنه كما قالت جوليا ميتشل كربت ، ومايكل كوربت في كتباهما القيم " الدين والسياسة في أمريكا " : ( أدى التقاء الدين بالسياسة في نقطة ما إلى ظهور اليمين المسيحي الجديد ، الذي بدأ في سبعينات القرن العشرين على الرغم من عودة بعض جذوره إلى الفترة الاستعمارية ، ولم يكن هذا الظهور ، نتيجة للتوجه نحو المحافظة في الدين خلال السبعينات فحسب ، ولكن نتيجة لدين محافظ يؤكد صوته السياسي )

ثم نضجت الحركة الأصولية السياسية هذه ، كما قال المؤلفان ( وساعد ترشيح جيمي كارتر للرئاسة على احتلال المسيحية المحافظة مركز الصدارة في الوعي الشعبي ، وأعلن كل من مجلة تايم ونيوزويك عام 1976عاما للإنجيلية ، وتأكد هذا مجددا بإعلان جيرالد فورد المنافس في عام 1976 والمتنافسين عام 80 ريغان ، وجون أندرسون ، بإعادة مولدهم كمسيحيين )ص 152ـ155 وكان هذا بمثابة إعلان عن نضوج الحركة "

ثم قد تطورت هذه الحركة الدينية الأًصولية ، وأصبحت أهدافها كما ذكر المؤلفان في الكتاب السابق :

1ـ ترنو إلى أمريكا كدولة تمتثل لقوانين ومشيئة الرب ما يفهمونها.

2ـ يجب أن تتوافق الأخلاقيات الخاصة والعامة مع تعاليم الكتاب المقدس الذي يفسر بشكل محافظ .

3ـ استخدام العملية التشريعية لضمان توافق القانون المدني مع القانون الديني وتطبيقه على المؤمنين وغير المؤمنين .

4ـ المدارس العامة تأتي بعد البيت والكنيسة كعنصر أساسي في تدريب الأبناء وفق معتقداتهم .

يقول المؤلفان : تضرب هذه الأهداف بجذورها في فهمهم للاهوت بشكل متشابه إلى حد بعيد ، فهناك حقيقة واحدة مطلقة أوحى بها الرب للبشر ـ الرب المتصف بالقوة والملك ـ فالبشر مخطئون وضائعون بدون الرب ، وأمريكا أمة الرب المختارة لتكون مثال أمة الرب في الدنيا . ص 159

ثم بعد هذا كله ، ها هو والتر أ. ماكدونالد يقول في كتابه أرض الميعاد والدولة الصليبية :

" فإن أمريكا الدولة الصليبية تمسكت بأن الإحجام عن محاولة تغيير العالم كان غير أخلاقي وغبيا "

ثم يقول ـ نقلا عن وليام فولبرايت ـ واصفا المؤثرات على السياسة الخارجية الأمريكية ، فيذكر أن الشطر يقوم على : " أخلاقية التوكيد المطلق للذات التي أشعلتها الروح الصليبية" ص 289
Jwilliam fulbright,the arrogance of power , newyork:random house , 1966 pp.245-46

ثم حان الآن في عصر" الليكوديين" "المحافظين الجدد" ، إعلان الحروب الأصولية الصليبية على الإسلام ، لقطف ثمار التعصب الصليبي الذي يقود عصابة البيت الأبيض .

ليس هناك يا باول خادم العهد القديم ! ديمقراطية ، ولا حقوق إنسان ، ولا حرية ، تؤمن بها الولايات المتحدة ، إن ذلك كله هراء لم يعد يصدقه أحد ، فلا تتعبوا أنفسكم في ترديده .

واليوم لقد اختارت أمريكا أن تحتل العراق ، بعد أن قتلت الملايين من أطفاله ونسائه في حصار استمـر 12 عاما ، وجاءت تنشئ فيه أول مستوطنات الإمبراطورية الصليبيّة ، إمبراطورية القرن الأمريكي ، الذي بشرت به في مقالك ، وقلت إنه لم يعد ثمة ضرورة لعالم متعدد الأقطاب بين أسرة دول تتشاطر القيم الأساسية !! وهكذا ألغت أمريكا التعددية التي طالما تبجحت بها ، وهاهي تدعو إلى منهج شمولي واحد ، وهو القيم الأمريكية ، التي ستفرضها أمريكا بالإرهاب ، والاحتلال ، وحرب الهجمات الإستباقية ، والدماء ، بروح صليبية ، وأهداف صهيونية ، ونزعه مادية لا تعترف بأي قيمة للإنسانية إذا وقفت أمام جشعها.

غير أن الإسلام لن يقف مكتوف الأيدي ، بل سيقوم بواجبه في الدفاع عن حقه ، وشعوبه .

وهاهي أبطال الفلوجة ، تثبت أن أحلام الإمبراطورية الأمريكية الصليبيّة ، ستتحطم ، وستنقلب إلى كوابيس ، وستعترف يوما ما ، بأن الأكاذيب التي طالما غلفت بها سياستنا الخارجية ، قد تساقطت كلها ، وظهر زيفها .

هاهي هذه المدينة الصغيرة ، تفضح أسطورتكم ، منذ أن قال ترومان : " لقد خلقنا الرب ونصبنا في موقع السلطة والقوة التي ننعم بها الآن من أجل غرض عظيم " ، إلى أن قال الرئيس الحالي " إن إرادة السماء توجهنا لنقود العالم ".

هاهي هذه المدينة الصغيرة ، توقظكم من سباتكم ، وتريكم أن الشيطان هو الذي يقودكم إلى الهاوية ، وأما الرب العظيم ، رب موسى وعيسى ومحمد ـ عليهم السلام ـ فبريء منكم ومن جرائمكم في العالم كله ، وهي التي ستدمرك

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006