مأ زق حماس

 

مأ زق حماس
حامد بن عبدالله العلي


اعلم أن قادة حماس يعلمون جيدا ، وهم الذين حنكتهم التجارب ، فواحدهم ابن بجدتها وأبو عذرتها ، نجذتهم مداورة الصعاب ، هداة خيرين ، دهاة مدبرين ، في الحرب أسود ، وفي السلم أهل حلم ، وجود .

أن اليوم لم يعد ثمة مكان ، ولا في الحسبان إمكان ، ولا الزمان يتسع ، وليس في العالم فسحة ، لنهج ( التجربة والخطأ) لاسيما في المشروع الإسلامي .

كلا ،، ليس لأحد أن يقول : نجرب فإن أخطأنا نتعلم من الخطـأ ، و ليس هذا مقبولا في مشروع بحجم المشروع الإسلامي لاسيما في ظل ظروف العالم الحالية .

ولا هو مقبول في عالمنا اليوم ،، عالم يسير بسرعة مجنونة إلى مالا نعرفه ، يحمل معه في كل لحظة متغيرات مجنونة إلى مايصعب توقعه .

إنه زمن لايرحم المشاريع ذات الخطأ القاتل ، ولا يتوقف لك مرة أخرى ، لتجرب تارة أخرى من جديد !!

أعلم أنهم يعلمون هذا كــلّه جيــدا ..

إذا كان في أي بيـئة آخرى غير فلسطين التــي هــي في وجاهة العدو الصهيوني المدعوم من أولياءه من الغرب الصليبي بلا حدود ،

فكيف في فلسطين ؟!

أولا : لأن عُقد الوضع الفلسطيني ، لايماثلها أي عُقد في العالم كله ، فكل التحديات الــتي تواجهها الأمة ، مجتمعة هناك في المشروع الفلسطيني ،

نعـم ، فلسطين هــي أم قضايانا ، منها انطلقت محنة الأمة ، وفيها معتركها الأعظم ، وحول قطب رحاها ، دار ، ويدور كل شي هنا في مشارق الأرض ومغاربها الــتي بارك الله فيها .

وفي تلك البقة سالت دماء أعظم الشهداء ، وتعرضت الأمة لكلّ البليـات ، وتجرعت كل المصائب ، انتصاراتنا العظمى وهزائمنا ، أتراحنا وأفراحنا ، بكاءنا وضحكنا .

و في وضع تجربة المشروع الإسلامي في بيئة كهذه ، وفي مخاطرة بهذا الحجم ، مجازفة ، ليس قرار إتخاذها إلا ضربا من التحدي الهائل والبالغ الخطــورة .

وثانيا : لأن فلسطين ليست ملكا للفلسطينين ، وليس لهم وحدهم أن يقرروا متى يجربوا ، وكيف يجربوا هذا الطريق أو ذاك ،

كــلا ،، ليس الأمر كذلــك

نعم ،، حقــا ،، إنهم الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا هناك في الأرض المقدسة ، و حول المسجد الأقصى ،


لكن هذه الكرامة العظيمة ، يقارنها أنهم يحملون أمانة سيوقفون ويٌسألون عنها ،

أمام الله تعالى رب السموات والأرض أولا.

ويوم القيامة أمام نبينا صلى الله عليه وسلم الذي اختار الله له الأقصى ليكون مسراه ثانيا.

وأمام الأنبياء الذين كانت هذه الأرض المباركة مهاجرهم ثالثا .

وأمام دماء الشهداء الذين قدموا دماءهم لتحرير أرض الأقصى، ودفاعا عنه ، منذ عهد صلاح الدين إلى اليــوم ،رابعا .

وأمام جميع التضحيات الــتي قدمـت لهذا المشروع ، مشروع تحرير فلسطين ، منذ أنطلاق أول رصاصة بقدوم أول صهيوني إلى أرض المسلمين الـــتي هي وقف للأمة ، خامسا .

وأمام هذا الجيل الإسلامي الذي يشهد مايجري سادسا .

وأمام كل جيل سيأتي سابعا.


كما أننـا نعلم ،، أن حماس أبعد ما تكون اليوم حاجـة إلى التوبيخ ، أو العيــب ، أو اللوم ،

كيف وهي تستحق حقا وصدقا ثقة الشعب الفلسطيني بها ، فهي لم تحصل عليها من مخازي أوسلو ، ولم تشحذها من ( البيت الأسود) ،

بل من فضل الله عليها ، بما ألقاه في سواعد أبطالها ، وعزائم رجالها ، من الجهاد المشرف ، في تاريخ قصير في عمر الحركات ، لكنه مليء بالتضحيات الجليلة بكل لحظة من لحظاته .

بل هـي أقرب ما تكون حاجة إلى النصح من جميع الأمة ،

نصح المشفقين المحبّين الذين ينظرون إلى إنجازاتهم الـــتي مضت والـــتي حولتهم إلى نجوم السماء ، وأقمار الأمة ، وشموس المجــد . نظرة إكبار وإجلال .

وإلــى مد يد العون إليها في كل ماتحتاجه ،وهو حــق علينا ، آثمون إن تخلينا عنه .

غير أن الحق يجب أن يقال لها ،، وإن كان مـــراّ :

انها إذ اختارت أن تقبل التحدي الذي وضعت نفسها فيه ، فليس لها أن تلقي بتبعة الفشــل يوما من الأيام على غيرها ،

ذلك أنها رضــيت ـ ولم يكره ذلك أعداؤها البتة إن لم يكونوا فرحين ـ أن تنتقل من طور :

كانت دماء الشهداء فيه تغسل عنها كل نقص ، وتطوي كل عيب ،

فلم يكن احد يرى سوى عنوان عزّة الأمة ، تطلقه حماس في كل ضربة موجعة للصهاينة ،

ووميض مجد الأمة ، يضيء في طريقها نور الأمل ، في كل عملية استشهادية تزلزل فيها أشد الناس عداوة لأمتنا ،

وكانت حماس راضية مرضية ، متربعة على عرش الجهاد الإسلامي على ذروة سنام الإسلام ، وقوافل شهداءها فخر الأمة ونبراسها .

صنائع أبناءها تسبـق أقوالها ، ودماء شهداءها تنطق شاهدة على كل حرف يقوله القادة شهادة العدل المصدقة .

إلى طور ستكون فيه على منصة النقــد ، يحصى عليها كل خطأ، وتحسب عليها كل زلة ، ثم يحصى كل ذلك ، ويحسب أيضا ، على كل مشروع إسلامي من وراءها .

وأخطر من ذلك كله ، على خيار المقاومة الذي هو خيار أمتنا الإستراتيجي اليوم .

قــد رضيت بهذا النقلة الخطيرة ، واتخذ قادتها هذا القرار التاريخـي :

وهي تعلم أنها وسط زعامات عربية ، فاسدة ، خائنة ، حامية للكيان الصهيوني ، منقادة لأعداء الأمة ، مستعدة لإجهاض المشروع الإسلامي في أي مكان في العالم .

ووسط حصار يضربه الصليبيون على المال المسلم لئلا يصل إلى أرض الأقصى .

ووسط أنظمة مجرمة أضحت تجعل الجهاد أعظم من كل جريمة في الأرض .

وفي ظروف سياسية في غاية الحرج ، والصليبيون يحتلون العراق ، وأفغانستان ، وجيوشهم منتشرة في كل الخليج ، وقـد جاءت لتضمن بقاء الكيان الصهيوني ، ولا تسمح لأحد أن يهدد بإلحاق الهزيمة به ، فضلا عن إزالته .

رضيت أن تصبح سلطة تحت هذه المظلة التــي بلا ريب أسوء ما تكون ظروفا لمشروع إسلامـي ينطلق من ثوابت العقيــدة ،

وتحت هذه المظلــلة بلا ريب ، ستجـد حماس نفسهـا أمام خياريــن :

إما الحصار الخانــق ـ سياسيا واقتصاديا ـ لإفشال مشروعها ثم إسقاطها بالكلية ، بإشغالها بالصراع من أجــل البقاء في السلطة رغم الظروف القاتلة .: بين عداوة فتح وغيرها ، ومحنة ومعاناة شعب يعيش أسوء ظروف الحياة في العالم ، ويتطلع لأمل في حل للقضية الفلسطينية على يد حماس وهي وسط بحر من المستحيلات !!

أو الانجرار إلى مثل مصير فتــح :

وما مصير فتح سوى نهج التنازلات التبادلية ، ليس على أساس : تنازل حماس عن ثوابتها ، مقابل تنازل من اليهود لصالح الشعب الفلسطيني ، فياليته سيكون كذلك !

بل تنازل من حماس مقابل تنازلات وهمية ، تبقى لحماس بريق البقاء في السلطة ومكاسبها فحســب !!

وللعقلاء أن يسالـــــــــوا :

هل فازت حماس لأنها انطلقت من صلابة مواقفها ، ووضوح عقيدتها وتمسكها بثوابتها ، فحينئذ كلما تآكلت الثوابت ، سيتآكل فوزها ؟!

هل فازت لأنها اعتمدت على صوت ضمير شعب مسلم سيختار بفطرته حركة إسلامية ، وبنفس هذه الفطرة سوف يحاسب على التنازلات ، بل سيفهم المناورات السياسية على أنها تنازلات، ويحكم بالانطباع العام فيرجع القهقرى عن تأييده كما سارع إليه .؟!

هل فازت لأنها اعتمدت على صوت الساخطين على ما يجري في الساحة الفسلطينية ، فكما جربوها ، سيجربون غيرها .؟!

هل فازت لأنها جمعت هذه كلها ، ثم ستكــون آلة السلطة هي الآفة الــتي ستأكـل هذه كلها .

وبعدما تنتهي المناورات السياسية ، والصياغة الحذرة للخطابات في هذه المرحلة الــتي تتطلع فيها الأنظار ، وتتشنف الأسماع إلى ما يقوله قادة حماس ، وهـي تريد أن تطمئن الجميــع ،

ستبدأ الأسئلة الأشد وقعــا :

هل هي في مأزق فكري حقا ، أم مأزق سياسي ، أم هما معا ؟!

هل تعي حقا مدى فداحة التعرض للخسارة ، والانكشاف أمام الرأي العام ، عندما تقبل وراثة الوضع الفلسطيني الحالي ، في ظل المشهد العالمي والإٌقليمي والفلسطيني الحالي البالغ السوء ؟!

هل كانت فتح أو لنقل الصهاينة والأمريكيون أيضا يريدونها أن ترث هذه التركة ؟! سواء خططوا لذلك ، أم اضطروا إليه ؟!

أم هي حقـا تعيش تحول استراتيجي في فكرها وسياستها وخياراتها وما هو ؟

والخلاصة :

إ ن حماس بلا ريـب في هذا المأزق الثــلاثـي :

1ـ عقيدتها الإسلامية الــتي تعنــي انطلاقها من شريعة الله في كل ثوابتها ، وسياساتها العامة ، وقراراتها .

مقابل وضع سياسي يرفض هذا المبدأ أصـلا ، وفي هذا المأزق تقع كل الحركات الإسلامية الــتي قبلت الدخول في ( سراب الديمقراطية ) . فوجدت نفسها تفقد محتواها العقدي تدريجيا ، وتتحول إلى لافتة إسلامية ملحقة بمشروع جاهلي تكرس وجوده !

2ـ وموقف حماس الصلب والمشرف ، في عدم جواز الاتفاق مع العدو على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية التـي تقول حماس ـ بحق ووفق شريعة الله الـتــي ليس لأحد أن يبدلها ـ إنها وقف إسلامي لايجوز لأي جيل أن يتنازل عن أي جزء منها ،

مقابل حاجتها ، وبيدها آلة السلطة إلى بعض اللين في هذا الموقف الصلـب ، لتمارس مهام السلطة وسط حصار سيضرب عليها إن هــي بقيت على موقفها الصلب .

3ـ الحفاظ على قيمة التضحيات ودماء الشهداء الــتي سكبت لتسقي شجرة النصر ، و الـــتي بها وصلـت حماس إلى ما وصلت إليه ،

مقابل الحفاظ على البقاء في سلطة أشبه بعذراء طاهرة وسط وحوش من مصاصي الدماء.

وأخيرا دعنا نقول :

حماس تعلم حجم التحدي القادم ، وخطورة القرار الذي اتخذته ، وحساسية المرحلة، وعظم الأمانة الــتي على عاتقهــا .

وتعلم إن هـي أرادت ما عند الله ، تقيم نفسها مجاهدة عن حقوق الأمة ومقدساتها ، وتحافظ على مكتسبات الجهاد المشرف فيما مضى عبر عقود ، فهي على استعداد أن لا تبالي ما قدمت من دماء وتضحيات دون هذه الحقوق ، غير مفرطة في شيء منها ، ولا متنازلة عن عقيدتها ، ولا ملقية لسلاح الجهاد ، أنها سيوفقها الله ويأخذ بيدها .

وحينئذ فنحن متفاءلون ، أن الله تعالى سيهيئ لها من الاحوال والظروف ، ويسخـر للشعب الفلسطيني على يد حماس من جنوده ، ويمدها من روحه ، ما يقيم به لها ميزان النصر من حيث لاتحتسب .

وأنها إن هي أرادت إرضاء الصهاينة ليرضوا عنها ، أو أولياءهم الصليبين ليدخلوها في سراب السلام المزعوم ، وفرحت بما فرحت به فتح ، وركنت إلى سلطة تحكم بغير شريعة الله تعالى ، ظانه بذلك أن الغرب سيغير موقفه منه كلما تركت من ثوابتها وعقيدتها ، وأرضته بترك طاعة ربها ، أنها إلى الخسران ستمضي ، وستجعل دماء الشهــداء تلعنها إلى يوم القيـامة !!


والله نسأل أن يأخذ بيدها ، ويجنبها ما يسخطه ، ويلقي عليها من لدنه رحمة يجمع بها قلوبهم على الهدى ، ويسدد حجتها ، ويلهمها رشدها ، ويحسن بها عاقبتها ، ويقوي بها ضعفها ، ويجبر بها كسرها ، وينصرها بها على عدوها ، ويلم بها شعث هذا الشعب الذي طالت معاناته ، بعد أن تخلى عنه القريب ، وخذله البعيد.

فيا أيها المسلمون كونوا معهم ، ولاتكونوا عليهم ، وانصروهم ، ولاتنصروا عليهم ، وأعينوهم ولا تعينوا عليهم ، وارشدوهم ، ولا تخذلوهم ، وأمدوهم بمدد لايحتاجون معه إلى غير المسلمين ، وارفقوا بهم ، وادعو لهم فإنهم أحوج ما يكونون اليوم إلى إخوانهم المسلمين .

هذا ،، ونحن هنا لا نثير كوامن اليأس من فرص نجاح مشروع إسلامي في هذا العصـر ، كـلا ولا نثبط أهل الجهاد مروّجين بأنـه لاسبيل إلى بلوغه ثمرة التمكين في هذا الزمان ،

بل ندعو إلى الحذر المأمورين به شرعا ، من أن نعلن بلوغ الجهاد ثمرة التمكين ، أونقفز إليها قفزا مستغلين أوضاعا سياسية هي من صنع غيرنا ، وفي يده تغييــرها ! قبل أن يمكننا أن نتحمل كل تبعات هذا الإعلان ، إذ الفشـل هنا هي الخطيئة العظمى ..

هذا النصح منا حق لهم علينا ، وعلى الله البلاغ وحسبنا الله ونعم الوكيل


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006